الجمعة، 24 يونيو 2011

الجانب المظلم من الضمير الحي

الرأي

د. محمد حامد الغامدي
الجانب المظلم من الضمير الحي
د. محمد حامد الغامدي

يتحدث الكاتب في هذا المقال عن تعميم اللون الاسود على كل شيء غير مرغوب فيه، رغم ان طبيعة بعض الاشياء التي نصفها بالسواد لا علاقة لها بهذا اللون، ومن الامثلة التي يضربها الكاتب وصف القلب بانه اسود، والقلب في الاصل لا سواد فيه. وهناك الكثير من الامثلة في التفرقة بين الجنس الابيض والجنس الاسود، ومن العرب من يحمل هذه النظرة العنصرية حيث مازال البعض يحمل في ذهنه قائمة بالاصول والفخوذ والظهور والبطون.
هناك "قائمة سوداء" لكل شيء.. فالسواد صفة.. تطلق على كل شيء.. غير محبوب.. حسب تصنيفات الرجل الرخامي.. فنقول: "سود الله وجهك".. ولن أسعى للخوض في هذه النعت المكروه.. ليس خوفا من الآنسة "رايس" أو من كوفي عنان.. ولكن احتراما للسيد (ماندلا) والداعية ( ديدات).
@@@
ونقول: قلب اسود.. مع أن القلوب داخل الأحشاء.. من لحم ودم.. ولا ادري كيف تتحول القلوب إلى سوداء.. ويمكن الرجوع هنا إلى المطلقات في مجتمعنا العربي.. فهن يعرفن اكثر من غيرهن.. مواصفات القلوب السوداء.. وأنواعها.
@@@
ونقول: تاريخ اسود.. ولم أشاهد في حياتي تاريخا اسود.. فكل ما قرأناه كان كلاما.. وسردا لحكايات وقصص ومواقف.. ولا ادري كيف يتحول الكلام إلى تاريخ اسود.. فهل يعقل أن يكون تاريخ بريطانيا اسود مع فلسطين والعرب وهم ناس كبياض الثلج؟.. وهل يعقل أن يكون تاريخ إسرائيل اسود هو الآخر لأنه تأسس على جماجم الشعب العربي في فلسطين؟.. هذا ظلم واتهام باطل.. التاريخ ليس اسود.. التاريخ كلام في كلام.. ويصبح اسود عندما يتحول إلى فحم في محرقة الحقيقة.
@@@
ونقول: حياة سوداء.. ولا ادري حياة مين؟.. الحياة السوداء تكون للأجنة في البطون.. فهل يعقل أن يكون لأحدنا حياة سوداء وهو يعيش في عالم مضاء بالحروب والقتل والصواريخ والرصاص.. وعيني عينك وضح النهار؟.. ولكن يمكن سؤال المساجين في السجون الأمريكية والبريطانية.. لكني اعرف أن هناك حياة سوداء للأوراق السرية في كل حته من العالم.. واعرف أن هناك حياة سوداء في الغرف المظلمة.. ذات المصابيح السوداء.
@@@
حتى الموت شعاره اسود.. رغم أن الميت يكفن في قطعة قماش بيضاء.. ونجد أن الزواج أيضا شعاره الأبيض.. وكذلك السلام شعاره الأبيض.. وحتى الاستسلام للعدو شعاره قطعة قماش بيضاء.. لذلك يجبر الجنود على لباس غير ابيض.. ويجبر المدنيون على لباس سراويل بيضاء لرفعها للاستسلام.. وقد فعلها العرب في كل حته.
@@@
بالمقابل نقول: "بيض الله وجهك".. يا سلام.. عقدة الخواجه.
@@@
"قلب ابيض".. لمن يحلم بعروس مسيار .. لان قلوبهن مختلفة.. وقد يكون بعضهن بلا قلب بسبب الرجال من حولهن.
@@@

"تاريخ ابيض".. وهذا لمن لا تاريخ له.. لذلك كان البيت الأبيض.. الجاثم على قلوب العالم وخاصة العرب المقهورين.
@@@
حتى الفرح شعاره ابيض.. يمكن بسبب انكشاف الأسنان وقت الفرح.. علشان كذا قالوا: إذا (شفت سنون الأسد.. فذي منّا ضحكة).. ومع ذلك يصنف الفرح ضمن المرو الأبيض النقي.. علما بأن هناك من يرقص فرحا على أجساد بشر آخرين.
@@@
بالتفكير في هذه الدلالات.. نجد أنها مرتبطة بالعنصر البشري.. فهناك الرجل الأبيض.. وهناك الرجل الأسود.. وما بينهما يوجد ألوان كثيرة.. منها لوننا الحنطي.
@@@
وتم حشو الأذهان عبر التاريخ وحتى اليوم بالمعلومات.. المتناقضة.. عن الإنسان.. فهو رحيم ولكنه وحش.. وهو عطوف.. لكنه جزار.. وهو إنسان.. لكنه اسود وابيض.
كنتيجة لتلك المعلومات ساد سواد الرجل الأبيض على بياض الرجل الأسود.. فالجنس الأسود.. ارتبط بالرق والعبودية.. على الأقل عند العرب.. وأمريكا وبريطانيا.
@@@
وهذه أول مرة يصبح العرب في مصاف الدول العظمى.. على الأقل في هذا الأمر.
@@@
من هذا المفهوم.. طبع في أذهان الأجيال.. مثل هذه الخروقات.. والدلالات..غير الإنسانية.. حتى غدت عادة.. لا يعطى لها.. أبعادها الإنسانية الحقيقية.
@@@
ومع أن الإسلام.. يحارب مثل هذه الفروقات.. بل أوجد المساواة بين كل الناس.. إلا انه مازال هناك.. بذور من الجاهلية..
@@@
ومازال الجنس الأبيض.. يتلذذ بغطرسته.. وعجرفته.. على الجنس الأسود.. وهناك قائمة أخرى تتمثل في الأصول.. والفخوذ.. والظهور.. والعظام.. والبطون.. إلى آخر القائمة المسعورة.
@@@
ومع أن هناك الكثير.. من الدعوات.. لمحاربة العنصرية.. ومنها دعوة الفقيد (عوض الدوخي).. الذي غنى في السمراوات.. غناء يعطيهن الأفضلية في سباق الأسود والابيض.. إلا أن أغلفة المجلات لم تستمع لصوته ودعوته..
@@@
ونحن المسلمين.. نظل نعيش في قبضة بعض الأمثلة.. التي لا تحترم الشعور.. وإمكانيات الآخرين.. والمصيبة.. ما زال هناك من يغذي هذه المسارات.. وبعضهم ما زال يسأل عن الفخذ والقبيلة.. ولا يسأل عن إمكانيات الفتى وخلقه ودينه.. حتى من حملة الدكتوراة.
@@@
وقد تتعدد العبودية.. عندما يتم تقسيم الناس إلى رتب وفئات مثلها مثل الحشرات.
@@@
خسارة.. لم يغير الدين من سلوكنا واتجاهاتنا وكذلك علمنا لم يغير شيئا.. بقينا.. بعقلية الجاهلية.. نقول هذا (فيه) وهذا ما (يخطيه)..
@@@
البعض يرى أن العزة له وحده .. ويتجاهل الآخرين.. ويعتقد أيضا انه مرسل من الله.. لخدمة الرعاع المهمشين في الزمان والمكان العالمي.. كهدف للعولمة.. ينقادون كما تنقاد النعاج في المراعي التي يسعى الراعي لتوجيههم إليها.. في عالم اسود للأكثرية.. وابيض للأقلية المتنفذة.

عدد القراءات: 777
المصدر : جريدة اليوم

http://www.alyaum.com/oldsite/issue/article.php?IN=11573&I=247165&G=1





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق